فصل: وَحيثما يقُولُ ما لي مَدْفَعُ *** فهو على من باع مِنْهُ يَرْجِعُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَإنْ يَكُنْ مُدَّعياً إقَالَهْ *** فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ المَقْالَهْ

‏(‏وإن يكن‏)‏ الحائز ‏(‏مدعياً إقالة‏)‏ من القائم الذي أثبت الشراء من الحائز ‏(‏فمع يمينه‏)‏ أي الحائز ‏(‏له المقالة‏)‏ فهو كقول ابن سلمون عن ابن الحاج‏:‏ لو قال الحائز أقلتني فيها بعد أن بعتها منك لكان القول قوله مع يمينه وتبقى الأملاك بيده اه‏.‏ وقال قبل ذلك‏:‏ ولو قال القائم إني اشتريتها ثم أعرتك إياها أو أكريتها منك ولذلك لم أقم بها عليك لكان أبين في أن يحلف إذا استظهر بوثيقة الشراء ويأخذها اه‏.‏ فظاهره أنه يأخذها وإن لم يدع غيبة الوثيقة وليس كذلك كما يأتي قريباً فيجب حمله على ما إذا ادعى مع ذلك غيبتها، وقد علمت أن الإقالة بيع فهذا حينئذ داخل في البيت الذي قبله يليه فلو حذفه ما ضره، ثم لا مفهوم لقوله مدعياً إقالة بل كذلك إذا لم يدع شراء ولا غيره، وإنما قال‏:‏ هو حوزي وملكي أو ورثته من أبي وهذه مدة الحيازة على عينك وأنت حاضر عالم الخ‏.‏ كما مر قريباً من أنه لا يكلف ببيان وجه ملكه، وكما يأتي أيضاً ويحمل الأمر على أنها رجعت للحائز بهبة أو شراء أو إقالة كما صرح بذلك ابن جزي في تكملته، ونقله ابن رحال وشارح نظم العمل عند قوله‏:‏ لا يوجب الملك عقود الأشرية الخ‏.‏ قال‏:‏ ويوافقه كلام ابن الحاج لأنه إنما جعل القيام للمشتري على البائع بعد مدة الحيازة وهو بيد البائع إذا قال‏:‏ إنما سكت لكوني لم أجد وثيقة الشراء أما لو لم يعتذر بذلك لم يقض له بأخذ الأملاك من يد البائع اه‏.‏ وما نقل عن العبدوسي مما يخالفه لا يعول عليه لأن ظاهره ولو ادعى البائع إقالة أو شراء أو نحوهما فإن المشتري يأخذه من يده وهو مخالف لما للناظم وغيره الذي تلقى غير واحد بالقبول وسلموا له هذا الفرع، وما للعبدوسي لعله مبني على ما يأتي عن ابن رشد في حيازة الأقارب، وسيأتي ما فيه بل لو لم يدع شيئاً لم يضره كما مرَّ وفي دعاوى المعيار عن ابن لب قال في أثناء جواب له ما نصه‏:‏ ولأن العادة تقضي أن المشتري لا يدفع الثمن ويبقى الشيء المشترى بيد البائع السنتين والثلاث، إذ من المعلوم في ذلك الاستهلاك والتغيير وذهاب الغلة اه‏.‏ وإذا كان هذا في السنتين والثلاث فكيف بمن بقي بيده مدة الحيازة‏؟‏ وقال ابن يونس مستدلاً على أن الحيازة تنقل الملك ما نصه‏:‏ ولما كان الإنسان في أغلب الأحوال لا يحاز عنه شيئه ويرى الحائز يتصرف فيه تصرف المالك دل ذلك على أنه خرج عن ملكه فإذا قام يطالبه ويقيم البينة أن ذلك له صار مدعياً لغير العرف فلم يقبل قوله اه‏.‏ فلم يفرق بين كون الحائز هو البائع أو غيره ولا بين كونه ادعى بيعاً ونحوه أو لم يدع شيئاً والأنقال في مثل هذا كثيرة‏.‏

تنبيه‏:‏

علم مما مر أن قولهم عقود الأشرية لا تفيد الملك ولا ينتزع بها من يد حائز محله إذا لم يكن الحائز هو البائع وإلا فينتزع بها من يده إذا لم تطل مدة الحيازة العشر سنتين فأكثر، وإلاَّ فلا ينتزع بها من يد البائع كما مر فشدّ يدك عليه لأن الموافق للنقل في النظم وغيره، ولا تلتفت إلى ما سواه ولا يتجه اعتراض الوانشريسي على ابن الحاج لأن ابن الحاج إنما جعل له القيام مع الاعتذار بعدم وجود الوثيقة، فجعل عدم وجودها من موانع القيام كالصغر والسفه كما تقدم والله أعلم‏.‏ وإنما قلنا لأنه الموافق للنقل لما مرّ لأن صاحب المعيار بنفسه قال في أثناء جوابه ما نصه‏:‏ وأما مجرد الحيازة من غير تعرض لضميمه دعوى الملك في المحوز بوجه من وجوه النقل من شراء أو هبة أو صدقة فلا تنقل الملك عن المحوز عنه إلى الحائز اه‏.‏ وهو تابع في ذلك لابن رشد القائل‏:‏ إن الحائز يكلف ببيان وجه ملكه كما يأتي، وتقدم أن العمل على خلافه وأنه إنما يحسن البيان إذا كان هنا فرق بين الهبة وغيرها ولم يفرق ابن رشد ولا غيره في دعوى الإقالة والشراء بين كونهما من بائع أو غيره، وإذا كان كذلك فالبائع إذا ادعى الشراء أو الإقالة فقوله مقبول كما ترى في النظم وغيره، بل وكذا إن ادعى الهبة كما ترى أيضاً في كلام ابن رشد وغيره، وإنما يبقى الكلام إذا لم يدع الجائز ولو بائعاً شيئاً، وتقدم أن العمل على عدم كشفه والله أعلم‏.‏ والعجب منهم كيف جعلوا كلام ابن الحاج مفيداً لكون عقود الأشرية تفيد الملك وصاروا يتكلمون معه من هذه الحيثية، فمنهم من يقول‏:‏ إن كلامه صحيح لأنها تفيد الملك إذا كان البائع هو الحائز لا غيره، ومنهم من يقول كالوانشريسي‏:‏ أنها تفيد الملك مع أن ابن الحاج إنما جعل القيام للمشتري على البائع الحائز بسبب دعواه عدم وجود الوثيقة كما مر، وأيضاً فإن ما في النظم من دعوى الإقالة هو لابن الحاج أيضاً، فلو كانت عقود الأشرية عنده تفيد الملك وينتزع بها من يد البائع ما صدقه في دعوى الإقالة‏.‏ ولما قدم أن العشر سنين لا بد منها للحديث المتقدم ذكر أن ما قاربها من تسع سنين أو ثمانية بعطى حكمها فقال‏:‏

وَالتِّسْعُ كالعَشْرِ لدى ابن القَاسِمِ *** أو الثَّمانِ في انقِطاعِ القَائِمِ

‏(‏والتسع‏)‏ سنين ‏(‏كالعشر‏)‏ المتقدم ذكرها ‏(‏لدى‏)‏ عند ‏(‏ابن القاسم أو الثمان‏)‏ كذلك عنده ‏(‏في انقطاع‏)‏ حق ‏(‏القائم‏)‏‏.‏ ولكن المعمول هو العشر كما مر‏.‏

والمدعي إنْ أثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ *** خَصِيمهِ في مُدةِ الحَوْزِ انْتَفَعْ

‏(‏والمدعي إن أثبت النزاع مع خصيمه في مدة الحوز‏)‏ التي هي العشر سنين ‏(‏انتفع‏)‏ بذلك وظاهره ولو نازعه مرة واحدة ولو عند غير القاضي وهو كذلك ما مرّ وكما هو ظاهر ‏(‏خ‏)‏ حيث جعل عشر سنين ظرفاً لحاضر ساكت بلا مانع الخ‏.‏ فتتنازعه العوامل الثلاثة‏.‏

وَقَائمٌ ذو غَيْبَةٍ بَعيدهْ *** حَجَّتُهُ باقِيَةٌ مُفيدَهْ

‏(‏وقائم ذو غيبة بعيدة‏)‏ عن محل الحوز ‏(‏حجته باقية مفيدة‏)‏ وظاهره ولو غاب بعد الحيازة عليه ست سنين أو ثمان سنين لأنه يصدق عليه أنه لم تجز عليه عشر سنين إذ ما بعد الغيبة لا يحسب عليه وهو كذلك كما يفيده ابن مرزوق وكما يفيده جعل ‏(‏ح‏)‏ عشر سنين ظرفاً لحاضر وهذا ما لم يتكرر قدومه وسفره كما مرّ‏.‏‏.‏

وَالْبُعْدُ كالسَّبْعِ وكَالثَّمانِ *** وَفي الَّتي تَوسَّلَتْ قَوْلاَنِ

‏(‏والبعد كالسبع‏)‏ مراحل ‏(‏وكالثمان‏)‏ وظاهر بلغه العلم بالحيازة عليه أم لا كانت الحيازة عليه بالهدم والبناء أو بالاستغلال والسكنى ثبت عجزه عن القدوم والتوكيل أم لا، وهو كذلك اتفاقاً ‏(‏وفي‏)‏ انقطاع حجته في الغيبة ‏(‏التي توسطت‏)‏ كالثلاثة والأربعة فما فوقها إلى السبع ‏(‏قولان‏)‏ أولهما لابن حبيب وابن القاسم أنه يسقط حقه إذا لم يثبت عجزه عن القدوم أو التوكيل، وثانيهما لابن القاسم أيضاً لأنه لا يسقط حقه ولو لم يثبت عجزه ويصدق فيما يدعيه من العجز عن القدوم والتوكيل لأنه قد يكون معذوراً كمن لم يتبين عذره وهو المعتمد، قال المشاور‏:‏ وبه العمل‏.‏ ابن رشد‏:‏ وهذا الخلاف إنما هو إذا علم بالحيازة عليه‏.‏

وَكالحُضُورِ اليَوْمُ واليَوْمَانِ *** بِنِسْبَةِ الرِّجَالِ لا النِّسْوَانِ

‏(‏وكالحضور‏)‏ في عدم سماع دعواه وبينته ‏(‏ اليوم واليومان‏)‏ مع الأمن لا مع الخوف والقدرة على القدوم أو التوكيل لا مع ثبوت العجز عنهما والعلم بالحيازة عليه لا مع عم علمه‏.‏ ابن رشد‏:‏ وهو محمول على عدم العلم حتى يثبت علمه، وتقدم أن الحاضر كذلك، وهذا ‏(‏بنسبة الرجال لا النسوان‏)‏ فلا ينقطع حقهن ولو على مسافة يوم أو أقل على ما تقدم في الشفعة ولو علمن بالحيازة عليهن وهن محمولات على العجز عن القدوم وعدم القدرة على التوكيل لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة إلا مع ذي محرم‏)‏ الخ‏.‏ ولا مفهوم لليوم والليلة‏.‏ وأما التوكيل فقد لا يجدن من يحسن الخصام ومن يثقن به، ومفهوم اليوم واليومان أن ما فوقهما لا يقطع حقه وهو كذلك على المعمول به كما مرّ‏.‏ ثم أشار إلى مفهوم قوله‏:‏ والأجنبي إن يجز أصلاً الخ‏.‏ فقال‏:‏

والأقْرَبُونَ حَوْزُهُم مُخْتَلِفُ *** بحَسَب اعْتمارِهم يَخْتَلِفُ

‏(‏والأقربون‏)‏ غير الأب وابنه من الإخوة والأعمام وأبنائهم والأخوال وأبنائهم، وفي معناهم الأصهار والموالي كانوا شركاء أم لا‏.‏ ‏(‏حوزهم‏)‏ أي أمد حوزهم ‏(‏مختلف بحسب اعتمارهم‏)‏ أي تصرفهم في الشيء المحوز ‏(‏يختلف‏)‏ فتارة يكون اعتمارهم وتصرفهم أقوى الأشياء كالهدم والبناء والغرس وسيأتي، وتارة يكون بغير ذلك وهو قوله‏:‏

فإنْ يَكُنْ بمثْلِ سُكْنَى الدَّارِ *** وَالزَّرْعِ لْلأَرْضِ وَالاَعْتِمارِ

للحوانيت بأخذ أكريتها والاستغلال للثمار في الأشجار‏.‏

فهو بما يجَوزُ الأرْبعِين *** وذو تَشَاجُرٍ كالأَبْعَدِين

‏(‏فهو‏)‏ أي أمد الحيازة القاطع للحجة فيما بينهم ‏(‏بما يجوز الأربعين‏)‏ عاماً فإذا حازها أحدهم المدة المذكورة فأكثر فلا حق للمحوز عنه على ما جرى به عمل أهل الوثائق قال ابن لب‏:‏ وهذا إذا لم يكن بينهم تشاجر ولا عداوة أو أشكل أمرهم، وأما من عرف التشاح بينهم فهم كالأجانب كما قال‏:‏ ‏(‏وذو تشاجر‏)‏ منهم ‏(‏كالأبعدين‏)‏ فيكتفي فيهم بعشر سنين، ومراده بالتشاجر التشاح وعدم المسامحة كما في النقل عن ابن يونس والمواق وغيرهما وما في الدر النثير من أن عشرين سنة إلى ثلاثين غاية المدة في حيازة الأقارب لكثرة التشاح في أهل هذا الزمان الخ‏.‏ لا يعول عليه بل العشر سنين كافية كما للناظم وغيره‏.‏

ومِثْلُه ما حِيزَ بِالْعَتَاقِ *** ما كَان أَو بالبْيع باتِّفاقِ

‏(‏ومثله‏)‏ أي اعتمار صاحب التشاجر ‏(‏ما حيز بالعتاق‏)‏ كيف ‏(‏ما كان‏)‏ ناجزاً أو مؤجلاً أو كتابة أو تدبيراً ‏(‏أو‏)‏ ما تصرف فيه ‏(‏بالبيع‏)‏ فتنقطع فيه حجة القائم بمضي عشر سنين وهو لا ينكر ولا يغير ‏(‏باتفاق‏)‏ وفيه نظر فإن العتق والبيع يسقطان حق البائع بمجرد علمه وسكوته وإن لم تمض مدة الحيازة من غير فرق بين أجنبي أو قريب كما مرّ في فصل بيع الفضولي حيث قال‏:‏ وحاضر بيع عليه ماله الخ‏.‏ ثم أشار إلى حوزهم بأقوى الأشياء فقال‏:‏

وفيه بالْهَدْمِ والبُنْيانِ *** وَالغْرْسِ أَو عقْدِ الكِرَا قَوْلانِ

‏(‏وفيه‏)‏ أي وفي مقدار أمد حوز الأقربين ‏(‏بالهدم‏)‏ لما لا يخشى سقوطه بل ليتوسع فيه أو ليبني غيره مكانه كما مر ‏(‏وبالبنيان‏)‏ الغير الخفيف ‏(‏والغرس‏)‏ كذلك ‏(‏أو عقد الكرا‏)‏ ء في الدار ونحوها وقبضه باسم نفسه بمحضر غيره من الأقارب ‏(‏قولان‏)‏ أحدهما أن العشر سنين كافية كالشريك الأجنبي، وثانيهما أنها لا تكفي بل بما يجاوز الأربعين كالحيازة بالسكنى والازدراع، وهو المذهب ما لم يكن بينهم تشاح فالعشر كافية كما مر ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وفي الشريك الغريب معهما أي الهدم والبناء قولان‏.‏ لا بين أب وابنه إلا أن يطول معهما ما تهلك فيه البينات وينقطع العلم‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ فإن حاز الوارث الشريك مثل سهمه أربعين سنة فهو له ولا شيء له في الباقي، وإن ادعى أن ما حازه خاص به وأن حقه ثابت فيما بقي لم يكن له ذلك إذا ادعى إشراكه إنما تركوه ليكون له سهمه وسهامهم فيما بقي وحلفوا على ذلك، وإن حاز أقل من سهمه كمل له بقية سهمه مما بقي، وإن حاز أكثر من سهمه فهو له كله قدر سهمه بسهمه ما زاد على سهمه بالحيازة قاله مطرف في الواضحة‏.‏ قال الرجراجي‏:‏ وهو المذهب ونحوه في ابن يونس وغيره، قال الرجراجي‏:‏ فإن حاز كل من الورثة طائفة من الأرض يحرث ويعمر حتى يموت بعضهم فيكون ولده كذلك فيما تركوا وقد اقتسم ورثته أو لم يقتسموا ثم طلب ورثه الجد القسم، فإن طال الزمان فيما يندرس فيه علم المقاسمة فذلك باق على حاله ولا يقبل قول من طلب القسم ثانياً إلا أن يكون عنده بينة ولو بسماع أن ذلك كان منهم على التجاوز والمسامحة دون المقاسمة، فليستأنف القسم فمن وقع حقه فيما بني أو غرس فهو له، ومن وقع بناؤه في حق غيره فليحلف ما بني إلا بمقاسمة ثم يخير صاحبه بين أن يعطيه قيمة البناء والغرس قائماً وبين أن يعطيه الباني قيمة أرضه، وإن أبيا كانا شريكين إلا أن تقوم بينة قاطعة أنه حازه بغير مقاسمة، أو ينكل عن اليمين ويحلف الآخر فإنه يعطيه قيمته منقوضاً أو يأمر بقلعه فإن لم يكن له بينة قاطعة أو نكلاً أعطاه قيمته قائماً على ما ذكرنا اه‏.‏ وانظر ما تقدم في المغارسة‏.‏

الثاني‏:‏ ذكر ‏(‏ح‏)‏ آخر الحيازة مستدلاً بحيازة الدين عن سماع يحيى أن الإنسان إذا أصدق لزوجة ابنه أحقالاً وبقيت بيده سنين حتى مات فأرادت أخذ ذلك فقال لها الورثة‏:‏ قد عاينته زماناً وهي بيده ولا ندري ولعله أرضاك من حقك أترى للمرأة في ذلك حقاً‏؟‏‏.‏ قال‏:‏ نعم ولا يضرها طول ما تركت ذلك بيد أب زوجها لأن الصداق ليس من الأثمان وليس هو صدقة حتى يحتاج للحوز‏.‏ قال ابن رشد‏:‏ وهذه المسألة صحيحة لا إشكال فيها ولا اختلاف لأن حقها تركته في يد حميها فلا يضرها ذلك طال الزمان أم قصر، وليس هذا من وجه الحيازة التي ينتفع بها الحائز ويفرق فيها بين القرابة والأصهار إذ قد عرف وجه كون الأحقال بيد الحم فهي على ذلك محمولة حتى يعرف تصييرها إليه بوجه صحيح لأن الحائز لا ينتفع بحيازته إلا إذا جهل أصل مدخله فيها، وهذا أصل في الحكم بالحيازة اه‏.‏ فقوله لأن الحائز لا ينتفع بحيازته الخ‏.‏ يقتضي أن البائع الحائز المدة المعتبرة بين الأقارب والأصهار أو بين الأجانب وادعى أنه رجع إليه بإقالة أو شراء لا يقبل منه لأنه قد عرف أصل مدخله، وهو كونها كانت بيده وقت العقد أو المسامحة ونحوها، ومثله تقدم عن العبدوسي‏.‏ وبكلام ابن رشد هذا استدل الشيخ الرهوني على أن حيازة البائع لا يعمل بها على المشتري منه ولو طالت وادعى الإقالة ونحوها وهو مخالف لقوله‏:‏ وإن يكن مدعياً إقالة الخ‏.‏ الذي تلقاه غير واحد بالقبول ومخالف لما مرّ عن الرجراجي قريباً من أن من ادعى القسمة مع طول المدة يصدق والقسمة بيع وقد عرف وجه دخوله وهو المسامحة ونحوها‏.‏ وما كان يخفى على أولئك الشيوخ كلام ابن رشد هذا لأن ما قاله مبني على مذهبه من أن الحائز لا ينتفع بحيازته إذا لم يدع ابتياعاً أو هبة كما مر عنه، والورثة إنما قالوا في هذه المسألة‏:‏ لا ندري، ولعله أرضاك من حقك فلم يجزموا بالخروج من يدها بالبيع ونحوه، ولو جزموا بذلك ما جعل له القيام كما مر عنه‏.‏ قال أبو الحسن على قولها‏:‏ حوز عشر سنين يقطع دعوى الحاضر ما نصه‏:‏ وهذا إذا ادعى الانتقال بالبيع ونحوه، وأما لو لم يدع إلا مجرد الحيازة فقال ابن رشد‏:‏ لا خلاف أنه لا ينفعه لأنه مقر بالملك لغيره مكذب لشاهد العرف الذي هو الحيازة اه‏.‏ ولكن تقدم أن العمل على خلافه وأن الاتفاق الذي حكاه غير مسلم‏.‏ قال الرجراجي‏:‏ واختلف هل يكلف الحائز من أي صار له‏؟‏ على قولين أحدهما إنه يكلف أنه كان بشراء أو هبة، والثاني أنه لا يكلف إذا ادعى أمراً لا يريد إظهاره أو لم يدع شيئاً إلا مجرد الحيازة وهو قول مطرف، وهو ظاهر المدونة في الذي قامت الدار بيده سنين يحوزها ويكري ويهدم، ثم أقام رجل البينة أن الدار داره أو أنها لأبيه حيث قال‏:‏ فإن كان هذا المدعي حاضراً يراه فلا حجة له وذلك يقطع دعواه، ولم يقل إنه يسأل من أين صارت إليه اه‏.‏ بلفظه‏.‏ وقد تقرر عندهم أن ظاهر المدونة كالنص، ولهذا أفتى ابن أبي زمنين وغيره، واقتصر عليه ابن يونس كما مرّ، وتقدم أن العمل عليه وأنه إنما يكلف بالبيان على القول الذي يفرق بين البيع والهبة وإلاَّ فلا فائدة فيه، وإذا علمت هذا فالوجه اعتماد ما تقدم تحريره عند قوله‏:‏ وإن يكن مدعياً إقالة الخ‏.‏ وإنما أطلنا في هذه المسألة وكررنا الكلام فيها مراراً لمسيس الحاجة إليها ولاعتماد الكثير من طلبة الزمان على كلام ابن رشد والله أعلم‏.‏

الثالث‏:‏ حيازة الديون تقدم الكلام عليها صدر البيوع ومنها الوصي يقوم عليه اليتيم بعد طول الزمان وينكر قبض ماله من الوصي، فإن كانت مدة يهلك في مثلها شهود الوصي فلا شيء عليه وإلاَّ فعليه البينة بالدفع اه‏.‏ نقله ‏(‏ح‏)‏ قبيل ما مر عنه‏.‏

الرابع‏:‏ تقدم في الحبس أن الحبس لا يحاز عليه، وتقدم ما فيه حيث جرى العمل بأنه يباع‏.‏ واعلم أن عدم المنازع ونحوه كعدم التفويت في علمهم وكونه مالاً من أمواله إنما شرطوه في الشهادة بالملك لا في الشهادة بالحبس، وإنما شرطوا في الشهادة به أنها تحرم بحرمة الأحباس كما في ابن سلمون وغيره، وإن كان النص بذلك إنما هو في شهادة السماع فالشهادة بالقطع كذلك بل أولى لأنها أقوى منها، ويصح قطعهم بذلك إن كان السماع مفيداً للقطع، فإذا سمع ممن لا يحصى أن هذا حبس على مسجد كذا فإنه يعتمد الشاهد على ذلك ويقطع بأنه يحترم بحرمة الأحباس ولا يسند ذلك إلى السماع، ولا سيما إن رأى نائب المسجد المذكور يتصرف له طول المدة وينسب ذلك إليه، ثم إذا وكل أهل المسجد واحداً منهم يخاصم وشهد باقيهم لذلك المسجد بما ذكر فإن شهادتهم جائزة كما في ‏(‏ح‏)‏ عن ابن عات في باب الشهادات ولا تتوجه يمين الاستحقاق على الحبس ولا يمين القضاء، وإن شهد للمسجد شاهد واحد فيجري على قول ‏(‏خ‏)‏ في الشهادات وإن تعذر يمين بعض الخ‏.‏ وكيفية وثيقة ذلك أن تقول‏:‏ يعرف شهوده المحل الفلاني المحدود بكذا ومعها يشهدون بأنه حبس على مسجد كذا، وأنه يحاز بما تحاز به الأحباس ويحترم بحرمتها إلى الآن أو إلى وقت كذا، فإن كانت شهادة سماع قلت ومعها يشهدون بأنهم لم يزالوا يسمعون سماعاً فاشياً من أهل العدل وغيرهم أنه حبس على بني فلان أو على مسجد كذا ويعرفونه يحاز بما تحاز به الأحباس ويحترم بحرمتها إلى الآن أو إلى وقت كذا انظر ابن سلمون وغيره‏.‏ وإذا ثبتت الشهادة بالقطع فلا إشكال أنه ينزع بها من يد الحائز، وكذا بالسماع على ظاهر ابن عرفة كما تقدم عند قوله في شهادة السماع‏:‏ وحبس حاز من السنين الخ‏.‏ ثم أشار الناظم إلى مفهوم قوله‏:‏ إن يحز أصلاً فقال‏:‏

وفي سوى الأصولِ حوزُ النَّاس *** بالعَامِ والعامَيْنِ في اللِّباسِ

‏(‏وفي سوى الأصول‏)‏ من العروض والحيوان وغيرهما ‏(‏حوز الناس‏)‏ الأجانب يكون ‏(‏ بالعام والعامين في اللباس‏)‏ فحوز الناس مبتدأ وفي سوى الأصول يتعلق به وبالعام والعامين خبره، وفي اللباس بدل من قوله في سوى الأصول بدل بعض من كل‏.‏

وما كَمَرْكوبٍ ففيه لَزِما *** حوزٌ بعَامَيْن فما فوقَهُما

‏(‏وما‏)‏ كان ‏(‏كمركوب‏)‏ من الدواب اسم شرط ‏(‏ففيه لزما‏)‏ جوابه ‏(‏حوز بعامين‏)‏ فاعل ‏(‏فما فوقهما‏)‏ عطف عليه‏.‏

وفي العبيد بثَلاَثةٍ فما *** زَاد حُصُولُ الحَوْزِ فيما اسْتُخْدِما

‏(‏وفي العبيد بثلاثة‏)‏ من الأعوام ‏(‏فما زاد‏)‏ عليها ‏(‏حصول الحوز فيما استخدما‏)‏ فحصول الحوز مبتدأ وفي العبيد يتعلق به وبثلاثة خبره وفيما استخدما بدل من قوله في العبيد بدل بعض من كل أيضاً، ومعنى الأبيات ظاهر، وما ذكره من أن الأصول تفارق غيرها في حيازة الأجانب أصله لأصبغ كما في المفيد وغيره، وعليه درج ‏(‏خ‏)‏ حيث قال‏:‏ وإنما تفترق الدار من غيرها في الأجنبي، ففي الدابة وأمة الخدمة السنتان ويزاد في عبد وعرض الخ‏.‏ إلا أنه اعترض عليه بحسب مفهومه لأن مفهوم قوله‏:‏ في الأجنبي أن العقار وغيره سواء في حيازة الأقارب فلا بد فيه من الأربعين سنة، وهذا لا يقوله أصبغ بل هو كما فرق بين الأجانب في الأصول فرق في غيرها من الأقارب، فجعل الحيازة بينهم في غيرها فوق العشرة أعوام ودون الأربعين بالاجتهاد كما في ابن سلمون، وأما ابن القاسم فسوى بين الأصول وغيرها في الأجنبي كما سوى بينهما في الأقارب، ففي المدونة قال ابن القاسم‏:‏ من حاز على حاضر عروضاً أو حيواناً أو رقيقاً فذلك كالحيازة في الربع اه‏.‏ وعليه فمفهوم قوله في الأجنبي لا يتمشى على قول أصبغ كما ترى ولا على قول ابن القاسم لأن الحكم لا يختلف عنده في الأصول وغيرها، فالأجانب بالعشرة فيهما والأقارب بما يزيد على الأربعين فيهما فتوجه عليه الاعتراض، وأما الناظم فكلامه خاص بالأجانب كما قررنا، وأما حوز الأقارب لغير الأصول فلم يتكلم عليه وتكون الحيازة بينهم فيه بما فوق العشرة ودون الأربعين على قول أصبغ الذي درج عليه فلا اعتراض عليه، ولكن مستند ‏(‏خ‏)‏ فيما ذكره هو قول ابن رشد ما نصه‏:‏ ولا فرق في مدة حيازة الوارث على وارثه بين الرباع والأصول والثياب والعروض والحيوان، وإنما يفترق ذلك في حيازة الأجنبي مال الأجنبي اه‏.‏ قال طفي‏:‏ ولم أر التفصيل الذي سلكه ابن رشد من التفريق في الأجنبي فقط إلا أنه رجل حافظ ولعله فقه له اه‏.‏

والوطْءُ لِلإِماءِ باتِّفاقِ *** مع عِلمْهِ حَوْزٌ عَلَى الإطْلاَقِ

‏(‏والوطء للإماء باتفاق مع علمه‏)‏ أي القائم وسكوته بلا مانع ‏(‏حوز على الإطلاق‏)‏ طالت المدة أم لا‏.‏ فقوله‏:‏ باتفاق يتعلق بقوله حوز، ومع علمه يتعلق بالوطء، وهذا البيت تكرار مع قوله في فصل بيع الفضولي‏:‏ والعتق مطلقاً على السواء

مع هبة والوطء للإماء

وَالماءُ لِلأَعْلَيْنَ فيما قَدُما *** والأَسْفَلُ الأقْدَمُ فيه قُدِّما

‏(‏و‏)‏ إذا غرس قوم غروساً أو زرعوا زروعاً على ماء مباح غير مملوك كماء الأمطار أو ماء الأنهار ف ‏(‏الماء للأعلين‏)‏ الذين يجري عليهم أولاً ‏(‏فيما قدما‏)‏ بضم الدال أي تقدم غرساً أو زرعاً وكذا لو تساووا بأن غرسوا أو زرعوا دفعة واحدة أو شك من المتقدم والمتأخر فإن الأعلين يقدمون في السقي في ذلك كله، فإن غرس الأسفلون أولاً أو زرعوا كذلك تحقيقاً فهو قوله‏:‏ ‏(‏والأسفل الأقدم‏)‏ غرساً أو زرعاً ‏(‏فيه‏)‏ أي الماء ‏(‏قُدِّما‏)‏ بضم القاف وتشديد الدال المكسورة مبنياً للمفعول وكل من قضى بتقديمة فإنما يمسك الماء للكعب ثم يرسل جميعه للآخر على المذهب خلافاً لابن رشد حيث استظهر مذهب الأخوين أنه يرسل ما زاد على الكعبين لا جميع الماء‏.‏ والحاصل أن الماء الذي تحقق عدم ملكه فإن الأعلى يقدم فيه سواء تقدم في الغرس والزرع أو ساوى، وسواء تحقق تقدمه أو مساواته أو شك في ذلك، وأن الأسفل المتقدم في الغرس والزراعة يقدم على الأعلى مطلقاً خيف على زرعه الهلاك أم لا‏.‏ والأصل في هذا ما قضى به رسول الله ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ في مهزور بتقديم الزاي على الراء ومذينب وهما واديان من أودية المدينة يسيلان بالمطر، ومحل تقديم الأقدم إذا لم يكن الأقدم رحى أو حماماً والأقدم سقي الجنان ونحوها عليهما، ولو تقدمت في الأحياء وكانت أقرب للماء كما لابن رشد لأن ماء الجنان يصرف إذا بلغ إلى الكعب للرحى ولا يصرف ماء الرحى ونحوها له، ولأن تأخير سقي الجنان قد يؤدي لتلف ما في الحائط وتأخير الماء عن الرحى لا يؤدي لتلفها بل لتعطيلها فقط قاله الأجهوري‏.‏

واعلم أن ماء الأنهار والخارج من العناصر والعيون من جبل ثم يجري لأراضٍ تحته إما أن يكون أصله مملوكاً ببينة عدلة أم لا، فإن كان مملوكاً فربه أحق به وله منعه وبيعه وله صرفه حيث شاء، ولو غرس عليه غيره بعارية وانقضت أو بغير إذن وربه ساكت عالم الخ‏.‏ فإن ذلك لا يضر لأن الماء المعلوم ملكيته بالبينة لا يحاز بالانتفاع به دون استحقاق أصله لاحتمال أن سكوت المالك طول الزمان إنما هو لعدم الاحتياج إليه، وإن لم تقم بينة بملكيته لأحد بل جهل أمره ولم يدر السابق من اللاحق ولا المالك من غيره لتقادم الأعصار وهلاك البينات القديمة فإنه يبقى كل واحد على انتفاعه كما كان ولو كان الآن ينبع في أرض مملوكة إذ لا يدري أصله كيف كان والأصل بقاء الأشياء على ما كانت عليه حتى يدل دليل على خلافه لاحتمال أن يكون أصله مملوكاً للجميع أو يكون مملوكاً للأسفل‏.‏ وهذا محصل ما للفقيه النوازلي سيدي إبراهيم الجلالي، ونقله في نوازل العلمي واستدل على ذلك بنقول ووجهه ظاهر والله أعلم‏.‏ وبهذا كنت حكمت في عناصر وادراس لما تحاكم إلي أهل المنزل مع من فوقهم وكان لأهل المنزل سواقي قديمة مبنية فأراد الأعلون أن يقطعوا ذلك الماء عنهم، فحكمت بقسمته بينهم على ما كانوا عليه إذ لا يدرى السابق من اللاحق ولا المالك من غيره، ووافق على ذلك المعاصرون من الفقهاء والله حسيب من بدل أو غير‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا مال الوادي عن مجراه القديم وصار الموضع الذي كان يمر عليه يابساً فقيل موضعه لمن ألقاه النهر إليه وحازه له وهو قول عيسى بن دينار وابن الماجشون، وبه أفتى ابن حمديس وابن الحاج‏.‏ قال سيدي يحيى السراج‏:‏ وهو الراجح حسبما في نوازل الزياتي، وقيل هو بمنزلة الموات‏.‏ قال أبو الحسن علي بن يحيى الأندلسي في آخر وثائقه‏:‏ وهذا الخلاف إذا تغير عن جريه المعروف وبقي موضعه يابساً، وأما ما اقتطعه النهر من أرض الغير فالصواب بقاء ما غيره النهر واقتطعه على ملك ربه ويقال‏:‏ وكذلك لو انحرف النهر عن مجراه وجرى في أرض رجل ثم عاد إلى موضعه أو يبس لعادت أرضه إلى ملك ربها اه‏.‏

وما رَمَى البَحْرُ بهِ من عَنْبَرِ *** ولؤْلؤٍ واجدُهُ بهِ حَرِي

‏(‏وما رمى البحر به من عنبر‏)‏ وصدف بالدال المهملة ‏(‏ولؤلؤ‏)‏ غير مثقوب وإلا فهو لقطة ‏(‏واجده‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏به حري‏)‏ خبره والجملة خبر الموصول ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وما لفظه البحر من كعنبر فلواجده بلا تخميس الخ‏.‏ وأحرى الحوت الذي يصطاد من البحر فليس للإمام ولا لغيره أن يأخذ الصيادين فيه خمسه أو عشره أو نحو ذلك، ويحكى أنه كانت بحيرة في تونس يخرج منها حوت كثير فكان يعيش به خلق كثير حتى وضع عليه الإمام مكساً فذهب بالكلية ولم يخرج منها شيء‏.‏

فصل في الاستحقاق

ابن عرفة‏:‏ هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله أو حرية كذلك بغير عوض الخ‏.‏ فقوله‏:‏ بثبوت ملك قبله أخرج به رفع الملك بالهبة والبيع والاعتصار والعتق ونحوها لأنه رفع ملك بثبوت ملك بعده في ذلك كله وقوله‏:‏ أو حرية عطف على ملك من قوله بثبوت ملك بعده يعني أو رفع ملك بثبوت حرية كذلك أي قبله، وأشار به إلى الاستحقاق بالحرية وبقوله بغير عوض وأخرج به ما وجد في المغانم بعد بيعه أو قسمه فإنه لا يأخذ إلا بالثمن كما يأتي ويدخل في الحد مدعي الحرية إذا استحق برق لأن مدعي الحرية يملك منافع نفسه واستحقاقه برقية برفع ذلك الملك، كذا يدخل الاستحقاق بالحبس إن قلنا هو على ملك الواقف، وكذا إن قلنا هو ملك للموقوف عليه‏.‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ ولا يتصور الاستحقاق إلا بمعرفة حقيقته وحكمه وسببه وشروطه وموانعه، أما حقيقته فهو ما ذكر، وأما حكمه فقال ابن عرفة‏:‏ حكمه الوجوب عند تيسر أسبابه في الربع والعقار بناء على عدم يمين مستحقه وعلى يمينه هو مباح كغير العقار والربع لأن الحلف مشقة اه‏.‏ وتعقبه ابن رحال وغيره بأنه لا مقتضى للوجوب هنا لأن هذا حق مخلوق فكيف يأثم بعدم القيام به اه‏.‏‏؟‏

قلت‏:‏ وقد يجاب بأن مراد ابن عرفة إذا لم تسمح نفسه بذلك لما فيه حينئذ من إطعام الحرام لغيره مع القدرة على منعه منه، وقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه‏)‏‏.‏ وقال ‏(‏انصر أخاك وإن ظالماً‏)‏ ونصره أن تمنعه عن ظلمه فالمستحق حينئذ آثم بعدم قيامه بالاستحقاق لأنه ترك واجباً عليه فهو راجع إلى تغيير المنكر وهو واجب على كل من قدر عليه، والمستحق من ذلك القبيل وهذا عام سواء كان الاستحقاق من ذي الشبهة أو من غاصب لأن المستحق يجب عليه أن يعلم ذا الشبهة بأنه لا ملك له فيه، وأنه يستحقه منه، وأنه لم تسمح نفسه به ويطلعه على بيان ملكه للشيء المستحق وإذا لم يعلمه كان قد ترك واجباً عليه آثماً بذلك وهو معنى وجوب قيامه بالاستحقاق خلافاً لما للشيخ الرهوني من أنه لا يظهر وجوبه بالنسبة لذي الشبهة اه‏.‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ وأما سببه فهو قيام البينة على عين الشيء المستحق أنه ملك للمدعي لا يعلمونه خرج عن ملكه إلى أن وجده بيد فلان الخ‏.‏ ويأتي هذا للناظم في قوله‏:‏ وما له عين عليه يشهد إلى آخر الأبيات الثلاثة‏.‏ ثم إن الشهادة بأنها لم تخرج عن ملكه إنما تكون على نفي العلم في قول ابن القاسم المعمول به قال‏:‏ وأما شروطه فثلاثة‏.‏ الأول‏:‏ الشهادة على عينه إن أمكن وإلاَّ فبحيازته الخ‏.‏ قلت‏:‏ هذا هو عين قوله وأما سببه كما لا يخفى وقاله ابن رحال وجواب الشيخ الرهوني عنه لا يظهر‏.‏ الثاني‏:‏ الإعذار في ذلك إلى الحائز وسيأتي هذا في قول الناظم‏:‏ وإن يكن له مقال أجلا الخ‏.‏ الثالث‏:‏ يمين الاستحقاق وفي لزومها ثلاثة أقوال‏.‏ المعمول به عند الأندلسيين أنه لا يحلف في العقار ويحلف في غيره، وسيأتي هذا للناظم أيضاً‏:‏ ولا يمين في أصول ما استحق الخ‏.‏ ثم قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ وأما موانعه ففعل أو سكوت‏.‏ أما السكوت فمثل أن يترك القيام من غير مانع حتى يمضي أمد الحيازة أي المتقدمة في الفصل قبل هذا، وأما الفعل فمثل أن يشتري ما ادعاه من عند حائزه فلو قال‏:‏ إنما اشتريته خوف أن يفوته علي فإذا أثبته رجعت عليه بالثمن لم يكن له مقال‏.‏ وقال أصبغ‏:‏ إلا أن تكون بينته بعيدة جداً أو يشهد قبل الشراء أنه إنما اشتراه لذلك فذلك ينفعه، ولو اشتراه وهو يرى أن لا بينة له ثم وجد بينة فله القيام وأخذ الثمن منه اه‏.‏ وأحرى لو اشتراه وهو غير عالم أنه له قاله ابن رحال وهو ظاهر‏.‏

المُدّعي استحقاق شيءٍ يلزَمُ *** بَيِّنَةً مثبِتةً مَا يَزْعَمُ

‏(‏المدعي استحقاق‏)‏ ملك ‏(‏شيء يلزم‏)‏ بفتح الزاي المخففة مبنياً للمفعول ونائبه ضمير المدعي ‏(‏بينة‏)‏ مفعوله الثاني ‏(‏مثبتة ما‏)‏ أي الملك الذي ‏(‏يزعم‏)‏ بأن يقيم بينة تشهد على عين الشيء المستحق أنه ملكه ومال من ماله وتحت يده تصرف فيه وينسبه لنفسه من غير منازع له في ذلك ولا معارض مدة من عشرة أشهر فأكثر وأن حده كذا إن كان أرضاً ونحوها ولا يعلمونه خرج عن ملكه بوجه من الوجوه إلى أن ألفاه الآن بيد فلان أو إلى أن توفي وتركه لمن أحاط بميراثه كما تقدم أول فصل الحوز‏.‏ واختلف هل هذه القيود لا بد أن يصرح بها الشاهد فإذا سقط شيء منها بطلت الشهادة إن تعذر سؤالهم بأن ماتوا أو غابوا أو لا يحتاج إلى التصريح بذلك، وإنما يعتمد عليها في باطنه فقط، والأول هو المعمول به‏.‏ وقد بسطنا الكلام على ذلك في حاشية اللامية‏.‏ ثم إن هؤلاء الشهود يؤدون على عين الشيء المستحق إن أمكن وإلا فيبعث القاضي من يحوز الدار ونحوها كما يأتي‏.‏ وقوله‏:‏ بينة يعني أو إقرار المطلوب، ففي أقضية البرزلي عن ابن أبي زيد من طلبت منه أخته ميراثها من أملاك أبيها فقال‏:‏ بيدي ربع ملكته من أبي وربع ملكته بكسبي وغفل عنه حتى مات أن على ورثته إثبات ما ادعى أنه استفاده بعد أبيه وإلاَّ حلفت ما علمت بما استفاده وقسم بينهما اه‏.‏ بنقل ‏(‏ح‏)‏ في باب الإقرار، ونقلنا مثله عن ابن أبي بكر اللؤلؤي في باب الاستحقاق من شرح الشامل‏.‏ ثم أشار إلى أن المدعي يلزم بالإتيان بالشهادة المتقدمة فقال‏:‏

من غَيْرِ تَكْليفٍ لِمَنْ تملَّكهْ *** من قبل ذا بأيِّ وَجْهٍ مَلَكَهْ

‏(‏من غير تكليف لمن تملكه‏)‏ أي حاز الشيء المستحق وادعى ملكيته ‏(‏من قبل ذا‏)‏ يتعلق بملكه من قوله ‏(‏بأي وجه ملكه‏)‏ والإشارة للاستحقاق أي يلزم المدعي بالإتيان بالشهادة المذكورة من غير تكليف لمن ادعى ملكيته بأي وجه ملكه من قبل هذا الاستحقاق، بل يكفي المطلوب أن يقال‏:‏ حوزي وملكي‏.‏ وبالجملة، فإن المدعي إما أن يدعي أن هذا الشيء ملكه فإن المطلوب يوقف على الإقرار أو الإنكار خاصة فإن قال‏:‏ حوزي وملكي فلا يكلف بأكثر من ذلك ويكلف المدعي بالإتيان بالشهادة المتقدمة فقط، وإما أن يدعي أنه ملك جده مثلاً فإن المطلوب لا يوقف على الإقرار والإنكار حتى يثبت المدعي موت جده وإراثته فإن أثبت ذلك وقف المطلوب على الإقرار والإنكار أيضاً، فإن قال‏:‏ حوزي وملكي فلا يكلف بأكثر من ذلك ويكلف المدعي بالإتيان بملكية جده على الوصف المتقدم فإن عجز المدعي عن إثبات موت جده وإراثته فلا يكلف المطلوب بالجواب كما تقدم في فصل المقال فراجعه هناك‏.‏ وإذا وقع ونزل وكلفه بوجه ملكه قبل إثبات الملكية فقال‏:‏ ملكته بشراء ثم رجع وقال‏:‏ حوزي وملكي فإنه يقبل رجوعه إذ ما كان للقاضي أن يكلفه ببيان وجه ملكه قبل أن يثبت المستحق الملكية وقبل الإعذار له فيها قاله في استحقاق المعيار‏.‏ فإذا أثبت ملكية نفسه أو ملكية جده وإراثته على الوجه المتقدم وأعذر للمطلوب في ذلك ولم يجد مطعناً كلف المطلوب حينئذ بالجواب من أين صار له وبأي وجه ملكه فإن قال‏:‏ حوزي وملكي وقد حزته عشر سنين والمدعي عالم ساكت بلا مانع كلف إثبات ذلك فإذا أثبته أعذر فيه للمدعي فإذا لم يجد مطعناً سقطت دعواه كما مر في الفصل قبله، فإن لم يدع المطلوب حيازته عشر سنين أو ادعاها ولم يثبتها على الوجه المطلوب بل أثبت أقل منها أو اختل شرط من شروطها المتقدمة فلا بد حينئذ أن يبين من أين صار له وبأي وجه ملكه ولا يكفيه قوله‏:‏ حوزي وملكي، فإن ادعى أنه صار له بالبيع ونحوه من غير الذي أثبت الملك وله وهو الطالب أو موروثه لم يلتفت إليه ولا ينفعه ذلك ولو أثبته لأنه قد يبيعه أو يهبه من لا يملكه فإن أثبت مع ذلك ملكية بائعه أو واهبه فينظر فيما بين الملكيتين بالمرجحات المتقدمة في الشهادات، وإن ادعى أنه صار له بالبيع ونحوه من قبل الطالب أو موروثه كلف إثبات ذلك، فإن أثبته وعجز الطالب عن الطعن فيه بطلت دعواه وإن عجز عن إثبات ذلك للطالب به بعد يمين الاستحقاق في غير الأصول كما قال‏:‏

وَلا يمين في أصُولِ ما استُحِقْ *** وفي سِوَاها قَبُلُ الإعْذَارِ يَحِقْ

‏(‏ولا في يمين أصول ما‏)‏ زائدة ‏(‏استحق وفي سواها‏)‏ أي الأصول من العروض والحيوان وغيرهما ‏(‏قبل الإعذار‏)‏ للمستحق منه ‏(‏يحق‏)‏ هو أي اليمين بأن يقول‏:‏ بالله الذي لا إله إلا هو ما باع الشيء المستحق ولا وهبه ولا خرج عن ملكه بوجه إلى الآن‏.‏ قال المتيطي‏:‏ واتفقوا في غير الأصول أنه لا يقضى للمستحق بشيء من ذلك حتى يحلف اه‏.‏ وإنما وجبت اليمين لأن الشهود إنما قالوا ولا يعلمونه خرج عن ملكه كما مر، فهم يشهدون على نفي العلم ولا تقبل منهم إلا كذلك، وقد يكون الملك خرج عن ملكه وهم يعلمون فاستظهر بهذه اليمين على باطن الأمر، وإنما سقطت هذه اليمين في الأصول لأن انتقال الملك فيها لا يكاد يخفى والتفريق بين الأصول وغيرها هو الذي عليه العمل عند الأندلسيين وغيرهم كما مرّ‏.‏ وفي ابن عرفة عن ابن زرقون أن المشهور لزوم اليمين حتى في الأصول، وفي المعيار عن ابن لب أنه الذي به العمل ودرج عليه ناظم عمل فاس حيث قال‏:‏

كذا في الاستحقاق للأصول *** القول باليمين من معمول

وقوله قبل الإعذار يحق صوابه بعد الإعذار لئلا يطعن المستحق منه في البينة فتذهب يمين المستحق باطلاً كما تقدم نظيره في اليمين مع الشاهد‏.‏

تنبيه‏:‏

من شهد له بملك أمة فولدها بمنزلتها يأخذه المستحق معها إن أمكن أن يكون ولدته بعد التاريخ الذي شهد له بملكها فيه قاله في المعين‏.‏ ومن استحق من يده شجر وقد كان أنفق عليها وسقى وعالج وهو ذو شبهة فإنه يرجع بأجرة سقيه وعلاجه كما في ‏(‏ ح‏)‏ عند قول ‏(‏خ‏)‏ أوائل البيوع‏:‏ وتراب صائغ وله الأجر الخ‏.‏ قال‏:‏ وكذا لو اشترى آبقاً ففسخ البيع بعد أن أنفق عليه‏.‏ وانظر أقضية المعيار فإنه ذكر فيه أنه يصدق في قدر الغلة ولا يصدق في قدر الإنفاق، وانظر تحصيل استحقاق الأرض بعد زرعها في فصل كراء الأرض والجائحة فيه، وإذا أعذر للمستحق منه فإنه يقال له أنت مخير بين أن تسلم أو تخاصم فإن قال‏:‏ أنا أخاصم فسيأتي وإن قال‏:‏ سلمت فهو قوله‏:‏

وَحيثما يقُولُ ما لي مَدْفَعُ *** فهو على من باع مِنْهُ يَرْجِعُ

‏(‏وحيثما يقول‏)‏ المستحق منه عند الإعذار له فيما أثبته المستحق ‏(‏ما لي‏)‏ أي ليس لي ‏(‏مدفع‏)‏ وطعن في البينة الشاهدة له ولا أخاصمه بالكلية فلا أراجع الشهود ولا استفسرهم ولا أسأل العلماء عن فصول الوثيقة فإنه يحكم القاضي حينئذ باستحقاق من يده ‏(‏فهو‏)‏ أي المستحق منه ‏(‏على من باع منه يرجع‏)‏ بثمنه الذي دفعه له، وللبائع حينئذ أن يخاصم أو يسلم، وهكذا وليس للمستحق منه أن يرجع على البائع بالثمن قبل الحكم عليه بالاستحقاق كما في الأقضية والشهادات من البرزلي، بل ولا يطالب أيضاً بالخصومة كما في المديان والدعاوى والأيمان من المعيار قائلاً‏:‏ إن البائع لا يطالب بالخصومة حتى يحكم على المشتري منه بالاستحقاق، ثم إذا رجع على البائع بالثمن فلا يخلو إما أن يكون البائع معه في البلد فالأمر واضح، وإن كان ببلد آخر فله أن يذهب بالدابة ونحوها ليرجع عليه بعد أن يضع قيمتها ببلد الاستحقاق، وإن كان المستحق بالفتح جارية لم تدفع إليه حتى يثبت أنه مأمون عليها وإلاَّ دفعت إلى أمين ثقة يتوجه بها معه وأجرته عليه، وكذا عليه نفقتها في ذهابها ورجوعها وأجرة حملها، ويؤجل في ذلك أجلاً بقدر بعد الموضع وقربه فإن رجع بها عند الأجل فذاك وإلاَّ أخذ المستحق القيمة، فإن جاء بها سالمة بعد أخذه القيمة فلا شيء له فيها، وإن جاء بها عند الأجل قبل أن يقضى له بالقيمة وقد تغيرت خير في أخذها أو القيمة، وإن ماتت فمصيبتها من الذاهب بها وأخذ المستحق القيمة، وإن تلفت القيمة والشيء المستحق فمصيبة كل من صاحبه انظر ابن سلمون واللامية وشروحها‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ هل يتسلسل الذهاب فيذهب البائع بها إلى بائعه أيضاً وهلم جرًّا كما في المقدمات أو الذهاب بها مخصوص بالأول‏؟‏ وأما غيره فيرجع بالاسم والصفة وهو الذي في المعيار والمفيد‏.‏ قال الحميدي‏:‏ وبه العمل لكن محل الخلاف إذا أراد الرجوع بالثمن، وأما إذا أراد الذهاب بها ليثبت أنها ملك البائع المرجوع عليه فإنه يمكن من ذلك الثاني والثالث والرابع وهلم جرًّا‏.‏ لأن الإثبات لا يكون إلا على عينها قاله الشدادي في حواشي اللامية، ونحوه تقدم عن ابن رحال في فصل التوقيف، وتقدم هناك ما إذا أراد المستحق بالكسر الذهاب بها ليقيم البينة على عينها‏.‏ وانظر العمل المطلق في الاستحقاق فإنه ذكر أن المستحق منه يرجع على بائعه بالصفة، وسيأتي عند قوله‏:‏ وما له عين عليها يشهد الخ‏.‏

الثاني‏:‏ قال سيدي عبد القادر الفاسي‏:‏ إذا اختار المستحق من يده عدم الخصام فإن الخصومة ترجع بين البائع والمستحق، فإذا خاصم البائع المستحق وغلبه كان الشيء المستحق للبائع لا للمستحق من يده لأنه قد أسلمه وقد انفسخ البيع‏.‏ ثم أشار إلى ما إذا لم يسلم وقال‏:‏ أنا أخاصم فقال‏:‏

وإنْ يَكُن له مَقَالٌ أُجِّلاَ *** فإن أتى بما يَفِيدُ أُعْمِلا

‏(‏وإن يكن له‏)‏ أي المستحق منه ‏(‏مقال‏)‏ في البينة الشاهدة بالاستحقاق وسأل الاعذار فيها ليجرحها، أو قال شهدت بزور أو كذب ونحو ذلك ‏(‏أجلا‏)‏ لإثبات ما أعاده من التجريح وما معه أجلا قدره شهر كما مرّ في فصل الآجال حيث قال‏:‏ وحل عقد شهر التأجيل فيه الخ‏.‏ ‏(‏فإن أتى بما يفيد‏)‏ في تجريحها ونحوه ‏(‏أعملا‏)‏ ما أتى به وبقي الشيء بيده ‏(‏و‏)‏ إن لم يأت بشيء وعجز عن إثبات ما ادعاه حكم القاضي بالاستحقاق لمدعيه‏.‏

وَما لهُ في عجْزهِ رجُوعُ *** عَلَى الذِي كانَ لهُ المبيعُ

‏(‏وما له‏)‏ للمستحق منه ‏(‏في‏)‏ حال ‏(‏عجزه‏)‏ المذكور ‏(‏رجوع‏)‏ بالثمن ‏(‏على الذي كان له‏)‏ الشيء ‏(‏المبيع‏)‏ لأنه يقول رجوعه‏:‏ أنت بعتني ما ليس لك بدليل هذه البينة الشاهدة للمستحق وهو قد كذبها بدعواه تجر ونحوه، وحيث كطبها فهو مقر بصحة ملك البائع فليس له الرجوع عليه بما تقتضيه شهادتهما على المعمول به كما معاوضات المعيار عن أبي الحسن، وفيها أيضاً عن العبدوسي في رجل باع أملاكاً فاستغلها المشتري أربعة أعوام فاستحق حظ منها بالحبس وأخذ المشتري يخاصم إلى أن حكم عليه قال‏:‏ لا رجوع له على بائعه لأن مخاصمته تتضمن أنه إنما باعه ما ملك، وأن دعوى المستحق فيه باطلة فكيف يرجع عليه هذا هو المشهور وبه العمل اه‏.‏ وقوله‏:‏ لأن مخاصمته تتضمن الخ‏.‏ صريح في أنه كان لا يرجع لعلمه صحة مالك البائع لأنه بالتكذيب ودعوى التجريح مقر بذلك، وهو إذا أقر بصحة ملكه ثم يرجع لأنه معترف بأن المستحق قد ظلمه والمظلوم لا يظلم غيره كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ في الاستحقاق تشبيهاً في عدم الرجوع ما نصه‏:‏ كعلمه صحة ملك بائعه الخ‏.‏ فجواب العبدوسي المذكور صريح في أن مسألة الناظم راجعة لعلم صحة ملك البائع وهو ظاهر ‏(‏خ‏)‏ أيضاً لأنه اقتصر على علم صحة ملك البائع ولم يتعرض لمسألة الناظم كما أن الناظم لم يتعرض لعلم صحة ملك البائع، وما ذاك إلا لكون المسألتين بمعنى واحد كما ترى، واقتصر غير واحد في مسألة الناظم على عدم الرجوع وصرح العبدوسي وأبو الحسن بأن العمل به كما ترى، وبالجملة فعلم صحة ملك البائع إما أن يكون بإقرار المبتاع كما لو كتب الموثق في رسم الشراء وعلم المبتاع وأقر بصحة ملك البائع عند العقد، وإما أن يكون بدعوى التجريح والتكذيب لبينة الاستحقاق إذ ذلك كله راجع لصحة ملك البائع كما مرَّ عن العبدوسي، والأحكام إنما تدور على المعاني لا الألفاظ، وقد ذكروا في علم صحة ملك البائع روايتين‏.‏ قال ابن رشد‏:‏ لكل منهما وجه من النظر فوجه الرواية بعدم الرجوع هو أنه لا يصح له أن يرجع على البائع بما يعلم أنه لا يجب عليه ووجه الرجوع أن البائع أدخل المشتري في ذلك فعليه أن يبطل شهادة من شهد عليه بباطل حتى لا تؤخذ السلعة من يد المشتري ويتهم إذا لم يفعل ذلك أنه قصر في الدفع إذا علم أن المشتري لا يتبعه بالثمن فأراد أن يكلفه من الدفع ما هو ألزم له منه اه‏.‏ وقد ذكر أبو الحسن حسبما في الدر النثير أن بالرواية الأولى العمل، وقال ابن المدونة ونحوه في الفائق والمعين والفشتالي وغيرهم، وصرح المكناسي في مجالسه بأنه المشهور، وقد تبين أن كلاً من القولين عمل به فيما إذا علم حصة ملك بائعه، ولكن أكثر الموثقين على القول بالرجوع، ووجهه ظاهر كما مر عن ابن رشد فيجب اعتماده والتعويل عليه، وأما مسألة التكذيب ودعوى التجريح فلم يقتصروا فيها إلا على عدم الرجوع، ومنهم من صرح بأن العمل عليه كما مرّ مع أنها أضعف أضعف من علم صحة المكل إذ لا يلزم من التكذيب والطعن علم صحة الملك للبائع إذ قد يكذبها ويريد الطعن فيها‏.‏ وصحة ملك البائع مشكوكة عنده إذ كل من قامت عليه شهادة يجوز كذبهم وصدقهم وكونهم ممن يقدح فيهم والشرع جوز له البحث عن ذلك، فإذا تبين صدقهم وكونهم ممن لا يقدح فيهم رجع على بائعه فالتكذيب وإرادة الطعن أعم من العلم بصحة ملك البائع، والأعم لا إشعار له بأخص معين فيلزم القائل بالرجوع في علم صحة الملك أن يقول به في التكذيب وإرادة الطعن بالأحرى‏.‏ وحينئذٍ فيجب التعويل فيها على ما مر في علم صحة الملك ولا وجه للتفريق بينهما، ولهذا لم يفرق بينهما ‏(‏م‏)‏ في شرح اللامية بل جعل الروايتين جاريتين في مسألة الناظم، وهذا كله إذا طلب الإعذار للتكذيب والتجريح كما قررنا، وأما إذا طلبه بقصد طلب رجوعهم عن الشهادة وسؤالهم عن كيفية شهادتهم وهل فيها تناقض أو سقط فصل من فصولها وأركانها ونحو ذلك مما لا يقتضى التكذيب كما هي عادة الناس اليوم، فإن ذلك لا يبطل حقه في الرجوع قطعاً، ولا ينبغي أن يختلف فيه لأنه لم يكذبهم قاله ابن رحال‏.‏ قال‏:‏ وكذا لو يكن له إلا مجرد الإعتقاد أو الشك كما مرّ، وبهذا كله يسقط ما قد قيل‏:‏ إن التكذيب أضر من علم صحة الملك كما في شرح العمل المطلق والله أعلم‏.‏

والأَصْل لا تَوْقِيفَ فيه إلاّ *** مع شُبْهَةٍ قويَّةٍ تَجَلّى

‏(‏والأصل‏)‏ إذا ادعى شخص استحقاقه وطلب أن يعقله ويوقفه فإنه ‏(‏لا توقيف فيه‏)‏ ولا يجاب إلى ما طلب ‏(‏إلا مع شبهة قوية تجلى‏)‏ أي تتضح وتظهر كشهادة عدل ولو محتاجاً للتزكية أو اثنين كذلك أو عدلين مقبولين وبقي الإعذار فيهما كما مر في فصل التوقيف‏.‏

وفي سِوَى الأصْلِ بِدَعْوَى المُدِّعِي *** بيّنةً حاضِرةً في المَوضِعِ

‏(‏وفي سوى الأصل‏)‏ من العروض والحيوان يوقف ‏(‏بدعوى المدعي بينة حاضرة بالموضع‏)‏ كما تقدم له تفصيل ذلك في الفصل المذكور، ولذلك أجمل ههنا‏.‏

وَما لهُ عَينٌ عَلَيْهَا يَشْهَدُ *** من حيوانٍ أوعُرُوضٍ تُوجَدُ

‏(‏وما‏)‏ مبتدأ ‏(‏له عين‏)‏ يتعلق بتوجد آخر البيت ‏(‏عليها يشهد‏)‏ خبر المبتدأ ‏(‏من حيوان أو عروض‏)‏ بيان لما ‏(‏توجد‏)‏ صلة ‏(‏ما‏)‏ والتقدير‏:‏ وما توجد له عين أي ذات من حيوان أو عروض يشهد شهود الاستحقاق ويؤدون شهادتهم على عينها، وهذا الإعراب ظاهر من جهة المعنى، ولكن فيه تقديم النائب عن فعله، ويجوز أن يكون له عين هو صلة ‏(‏ما‏)‏ وتوجد صفة لعين أي‏:‏ والذي استقر له عين موجودة في البلد من حيوان أو عروض لا بد أن يؤدي شهود الاستحقاق عند الحاكم أو نائبه شهادتهم على عينها كما مرَّ أول الفصل وفهم من قوله‏:‏ توجد إنها لو لم تكن موجودة بل كانت غائبة لجازت الشهادة فيها على الصفة وهو كذلك، ففي الوثائق المجموعة إذا كانت الجارية غائبة فالشهادة فيها على النعت والاسم جائزة فإن وجدت جوارٍ كثيرة على تلك الصفة كلف الحاك المستحق أن يثبت عنده أنها واحدة منهن، وإن لم يوجد سواها لم يكلف شيئاً انتهى‏.‏ ونقله ابن سلمون وغيره وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ في القضاء وحكم بما يتميز غائباً بالصفة كدين الخ‏.‏

قلت‏:‏ وكذا يقال في المستحق من يده فإنه يرجع على بائعه بالصفة ما لم تكن هناك دواب أو جوار على تلك الصفة وإلا كلف تعيينها كما مرّ وكذا يقال إذا هلك الشيء المستحق بيد مشتريه ثم ثبت الاستحقاق بالصفة ولا مشارك له فيها فإنه يرجع المستحق بالثمن على قابضه وهو البائع أو على غاصبه ولا شيء على المشتري كما في الزرقاني وغيره في باب الفلس عند قوله‏:‏ وإن تلف نصيب غائب عزل فمنه، وما في ابن سلمون عن ابن الحاج من أن استحقاق الكتاب بالصفة بعد فواته لا يصح يجب حمله على ما إذا كان هناك من الكتب ما يشاركه في صفته وخطه‏.‏ ثم أشار إلى مفهوم قوله‏:‏ من حيوان أو عروض فقال‏:‏

وَيُكْتَفَى في حَوْزِ الأصْلِ المستحَقْ *** بِوَاحدٍ عَدْلٍ والاثنَانِ أحَقْ

‏(‏ويكتفى في حوز الأصل المستحق‏)‏ من دار وأرض وكل ما لا يمكن نقله فإن الحيازة فيه ‏(‏بواحد عدل‏)‏ يقدمه القاضي لها كافية عن حضوره عند الحاكم وأداء الشهادة على عينه لتعذر ذلك فيه وشغل القاضي عن الذهاب إليه، وإنما اكتفى بالعدل الواحد لأنه موجه من قبل القاضي فهو نائب عنه ‏(‏ والاثنان أحق‏)‏ وأولى من توجيه الواحد للحيازة المذكورة لأن الحيازة شهادة وهي يطلب فيها التعدد كما مر في قوله‏:‏ وواحد يجزىء في باب الخبر الخ‏.‏ ومعنى النظم أنه إذا شهد عدلان بملكية المستحق للدار والأرض ونحوها وذكرا حدودها وتناسخ الوراثات إلى أن خلصت لهذا القائم على الكيفية المتقدمة في البيت الأول من هذا الفصل، فإن كان من شهد بتناسخ الوراثات هم الشهود بالملك للجد مثلاً ونحوه وصلوا شهادتهم بأنهم لا يعلمون أحداً من الوارثين فوت حظه من ذلك إلى أن توفي أو إلى الآن وإن كانوا سواهم لم يكلفوا بذلك، فإذا ثبت ذلك فإن أنكر المطلوب الحدود التي في الرسم وقال‏:‏ لا أدري هذه الأرض التي ينازع فيها ولا حدودها وجب حينئذ أن يعين شهداء الملك ما شهدوا به بالحيازة فيوجه القاضي معهم عدلاً واحداً أو عدلين ويقولان لهما أو له بعد تطوفهما على الحدود‏:‏ هذا الذي حزناه وتطوفنا على حدوده هو الذي شهدنا بملكه لفلان عند القاضي هذا إن كان شاهدا الملك يعرفان الحدود وكانا حاضرين، فإن كانا لا يعرفان ذلك وإنما شهدا بأن الموضع المسمى بكذا ملك لفلان ومال من أمواله إلى آخر ما تقدم من غير تعرض لحدوده لعدم معرفتهما بها أو لغيبتهما أو موتهما، وكان شاهدان آخران يعرفان حدود الموضع المذكور ولا يعرفان كونه ملكاً لفلان المذكور فإن القاضي يوجه عدلين أو عدلاً أيضاً يقول لهما أو له شهود الحيازة هذا الذي حزناه وتطوفنا على حدوده هو الذي يسمى بكذا وهو المشهود بملكه لفلان عند القاضي فلان كما يأتي في قوله‏:‏ وجاز أن يثبت ملكاً شهدا الخ‏.‏ فيكون مجموع الشهود في هذا الوجه ستة وفي الأول أربعة ولا تبطل شهادة شهود الملك بعدم تعرضهم لتحديد المشهود به إذا وجد من يشهد بتحديده كما تقدم صدر البيوع وقال في باب القضاء من العمل المطلق‏:‏

وفي التخالف أجز أن يشهدا *** بالحوز غير من بملك شهدا

الخ‏.‏

هذا كله إذا أنكر الحدود كما ترى، وأما إن أقر المطلوب بأن الحدود التي في الرسم هي التي تحت يده فلا حيازة حينئذ كما قال‏:‏

وناب عن حيازةِ الشُّهُودِ *** توافُقُ الخَصْمَيْنِ في الحدُودِ

فإذا تمت الشهادة بالحيازة أو بتوافق الخصمين على الحدود وجب عقل المشهود به بتوقيف الخراج والمنع من الحرث كما مر، ثم أعذر للمطلوب في شهود الملك فقط أو فيهما وفي شهود الحيازة في الوجه الثاني دون الوجهين من قبل القاضي فإنه لا إعذار فيهما على ما مر بيانه في فصل الإعذار‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ قد علمت مما مر أن الموجهين يشهدان بأمرين بتوجيه العدلين للحيازة ولو كانا شهود الملك وبأنهما قد حازا وعينا حدود المشهود به ويكتبان ذلك كله في رسم تحت شهادة الملك، وأما شهادتهما على القاضي بصحة رسم الملكية فإن خطابه عليه بالاستقلال والقبول كاف إذ هو عين الصحة عنده فلا يحتاج إلى الإشهاد عليه مع الخطاب المذكور نعم حكمه بنقل الملك أو ببقائه ونحوه لا بد أن يشهد عليه شاهدان كانا شهود الحق أو غيرهما كما في التبصرة قبيل القسم الثاني ونحوه في المواق خلافاً لمن قال لا بد أن يكون شاهد الحكم غير شاهد الحق‏.‏

الثاني‏:‏ تقدم في فصل المقال والجواب أن الطالب إذا أثبت الوراثة وجر ذلك إلى نفسه وعجز عن إثبات وراثة سائر الوارثين أنه يقضى له بحقه، وانظر فصل التوارث من المتيطية فقد اقتصر فيه على أن الشهود إذا عرفوا عدد الورثة ولم يعرفوا أسماءهم فهي شهادة تامة، وذكر فيها أيضاً أنهم إذا سموهم ولم يشهدوا على عينهم أي‏:‏ ولم يذكروا أنهم يعرفونهم فهي تامة إلا أن يقع بينهم في ذلك تنازع‏.‏

الثالث‏:‏ قال أبو الحسن علي بن يحيى الأندلسي في آخر وثائقه‏:‏ إذا توافقا المتداعيان في الحدود سقطت الحيازة إلا أن يفتقر المحكوم له إلى الإنزال فلا بد من الحيازة اه‏.‏

قلت‏:‏ الإنزال هو القبض كما في المتيطية، ونقله في الارتفاق قال‏:‏ ويجب على البائع الإنزال إن لم يقر المشتري له بالملك خيفة أن يكون باع منه ما ليس له اه‏.‏ وتأمله فإنه لا معنى لوجوبه كما مرَّ صدر البيوع وما علل به من خشية بيعه ما ليس له لا يدفعه الإنزال المذكور، ثم وقفت على قول ابن مغيث ما نصه‏:‏ إن سقط من وثيقة الابتياع ذكر الإنزال فطلبه المبتاع بذلك لزمه أن ينزله في ذلك فإن اختلفا فقال المبتاع‏:‏ من هنا إلى هنا ابتعت منك، وقال البائع‏:‏ بل من هنا إلى هنا فإن كان ذلك على قرب من تاريخ التبايع تحالفا وتفاسخا البيع إذا عدمت البينة، وإن مضى لتاريخ البيع سنة سقط الإنزال، وإن كان في وثيقة الابتياع براءة الإنزال لكان القول قول البائع مع يمينه، وبهذا مضى العمل اه‏.‏ ونقله ابن سلمون في ترجمة العقار والأرض البيضاء‏.‏

وواجبٌ إعْمَالُهَا إنِ الحَكَمْ *** بِقِسْمَةٍ عَلى المَحَاجِيرِ حَكَمْ

‏(‏وواجب‏)‏ خبر مقدم ‏(‏إعمالها‏)‏ مبتدأ وضميره للحيازة ‏(‏إن الحكم‏)‏ لغة في الحاكم ‏(‏بقسمة على المحاجير حكم‏)‏ وكذا إن حكم بها على غير المحاجير من الشركاء‏.‏ قال الباجي‏:‏ الذي أجمع عليه مالك وقدماء أصحابه أنه لا يجوز للقاضي أن يأذن للورثة في القسمة حتى يثبتوا أصل الملك لموروثهم واستمراره وحيازته والموت والوراثة، وبه جرى عمل القضاة بقرطبة وطليطلة اه‏.‏ ونقله في المعيار في نوازل الصلح فقوله للورثة شامل للمحاجير وغيرهم، وفي المفيد عن الباجي أيضاً أنه طلب بعض الشركاء قسمة الملك الذي بينهم من القاضي فلا يحكم لهم بذلك حتى يثبت عنده أن الملك لهم اه‏.‏ ونحوه في المقرب كما نقله ‏(‏م‏)‏ وعللوا وجوب الحيازة بأنهم ربما أدخلوا في قسمتهم ما ليس لهم‏.‏

قلت‏:‏ وقد علمت أن القسمة بيع والقاضي لا يجوز له البيع ولا الإذن فيه حتى يثبت عنده ملك البيع عليه وحيازته له كما تقدم في فصل مسائل من أحكام البيع، وفي فصل البيع على الغائب فإن وقع ونزل وقسم أو باع بدون ثبوت الملك والحيازة فالظاهر عدم نقض ذلك حتى يثبت أنه قسم، أو باع ملك الغير إذ الأصل أنه باع أو قسم ما يملكونه حتى يثبت خلافه كما مر في البيع على الغائب، ولا يعجل بالنقض بمجرد الاحتمال فقول الناظم‏:‏ وواجب أعمالها يعني ابتداء، والله أعلم‏.‏

وَجَاز أنْ يُثْبِتَ مِلكاً شُهدا *** وَبالْحِيَازَةِ سِوَاهم شَهِدا

‏(‏وجاز أن يثبت‏)‏ بضم الياء وكسر الباء الموحدة مضارع أثبت الرباعي ‏(‏ملكا شهدا‏)‏ بضم الشين وفتح الهاء جمع شهيد ككريم وكرما فهو مدود وقصره ضرورة فاعل يثبت وملكا مفعوله أي وجاز لمن ادعى ملكاً بيد غيره أن يثبته أي يشهد له به شهداء لا يعرفون حدوده ولا يقدرون على حيازته ‏(‏وبالحيازة‏)‏ فقط ‏(‏سواهم شهدا‏)‏ بفتح الشين وكسر الهاء أي‏:‏ وسواهم شهد بالحيازة لا غير لأنهم لا يعرفون الملك لمن هو فإن الشهادتين تلفقان، ويثبت الملك للمدعي المذكور كما تقدم قبل قوله‏:‏ وناب عن حيازة الشهود الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وإنما تلفق الشهادتان‏.‏

إنْ كانَ ذَا تَسْمِيَةٍ مَعْروفهْ *** وَنِسْبَةٍ مشهورةٍ مَأْلُوفهْ

‏(‏إن كان‏)‏ الملك المشهود به للمدعي ‏(‏ذا تسمية معروفة‏)‏ كحجاجة والزيات بفاس ‏(‏و‏)‏ ذا ‏(‏نسبة مشهورة مألوفة‏)‏ كجنان الخادم وعرصة الجيار بفاس أيضاً فتشهد بينة بأن الموضع المسمى بعرصة الجيار مثلاً هو ملك لفلان ومال من أمواله وتحت يده يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه وينسبه لنفسه إلى آخر الوثيقة المتقدمة في البيت الأول من هذا الفصل ولا يتعرضون لذكر حدوده لأنهم لا يعرفونها أو لغيبتهم أو موتهم، وتشهد بينة أخرى بأن الموضع المسمى بما ذكر حده من ناحية القبلة كذا، ومن الغرب كذا، ومن الجنوب كذا، وأن التسمية المذكورة إنما تطلق على ما دخل الحدود لا على ما خرج منها ولا يعرفون الموضع لمن هو إلا أنهم كانوا يخدمونه مثلاً أو يعرفون حدوده خلفاً عن سلف، فإن الشهادتين تلفقان كما مر‏.‏ ويوجه القاضي معهما شاهدين يشهدان على حيازتهما فيكون مجموع الشهود ستة كما مرَّ ويثبت حينئذ الاستحقاق انظر ‏(‏ح‏)‏ فإن فيه بعض زيادة وإيضاح‏.‏

ولما أنهى الكلام على استحقاق الكل أشار إلى الحكم في استحقاق البعض، وحاصله كما في ‏(‏ت‏)‏ أن المستحق بعضه إما مثلي أو مقوم، والمقوم إما أن يستحق منه بعض معين أو شائع، والشائع إما أن يكون فيما يقبل القسمة كمتعدد من حيوان أو عروض أو دار متسعة أو دور أو فيما لا يقبلها كدار ضيقة أو عبد واحد‏.‏ وفي كل من الأقسام الأربعة إما أن يكون البعض قليلاً أو كثيراً، ففي المثلى إن كان المستحق كثيراً خير في رد ما لم يستحق ويأخذ جميع ثمنه أو التمسك فيه بما ينوبه من الثمن كما قال‏:‏

وَمُشْتَرِي المثليّ مَهْمَا يُسْتَحَقْ *** مُعْظَمُ ما اشتُرِي فَالتّخيير حَقْ

‏(‏ومشتري المثلى‏)‏ أو المصالح به ‏(‏مهما يستحق‏)‏ أو يتلف منه أو يتعيب وقت ضمان البائع ‏(‏معظم ما اشترى‏)‏ أو صولح به، والمعظم هو الثلث فأكثر كما أفاده ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وإن انفك فللبائع التزام الربع بحصته فقط لا أكثر خلافاً للشارح حيث جعل المعظم ما جاوز الثلث، وعلى ما في ‏(‏خ‏)‏ عول الأجهوري في نظمه حيث قال‏:‏

ثم الكثير الثلث في المثلى وفي *** مقوم ما فات نصفاً فاعرف

‏(‏له التخيير حق‏)‏ واجب للمشتري، والجملة جواب الشرط وهو مع جوابه خبر المبتدأ لكن التخيير مختلف ففي الاستحقاق والتلف وقت ضمان البائع يخير‏.‏

في الأَخْذِ للبَاقي من المَبيعِ *** بِقِسْطِهِ وَالرَّدُّ للجَميعِ

‏(‏والأخذ للباقي من المبيع بقسطه‏)‏ من الثمن ‏(‏والرد للجميع‏)‏ أي لجميع الباقي بعد الاستحقاق والتلف ويأخذ جيمع ثمنه وفي التعييب وقت ضمان البائع يخير في رد الجميع وأخذ ثمنه أو التمسك بجميع المبيع بجميع الثمن، وليس له أن يتمسك بالسالم من العيب بما ينوبه من الثمن إلا برضا البائع، وقد علمت من هذا أن الصلح مثل الشراء لأنه بيع وأن التلف والتعييب قبل كيله أو وزنه أو عده مثل الاستحقاق‏.‏ ثم أشار إلى مفهوم قوله معظم فقال‏:‏

وإنْ يَكُنْ مِنْه اليَسِيرُ ما استُحِقْ *** يَلزمُهُ الباقي بما لهُ بِحَقْ

‏(‏وإن يكن منه‏)‏ أي المثلى ‏(‏اليسير‏)‏ بالنصب خبر يكن ‏(‏ما استحق‏)‏ اسمها ومنه يتعلق باستحق فهو معمول للصلة وصح تقديمه على الموصول لأنه من الظروف وهم يتوسعون فيها أي‏:‏ وإن يكن المستحق من المثلى اليسير وهو ما دون الثلث فالمشتري ‏(‏يلزمه الباقي بما له يحق‏)‏ من الثمن‏.‏ قال في الشامل‏:‏ بخلاف استحقاق مثلى فإنه يلزم مشتريه بحصته إلا الثلث فأكثر فيخير اه‏.‏ وقال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وحرم التمسك بالأقل إلا المثلى أي‏:‏ فإنه لا يحرم التمسك بأقله حيث استحق أكثره بل يخير في التمسك والرد كما مر‏.‏ ثم أشار إلى ما إذا كان البعض المستحق مقوماً معيناً وفيه صورتان أيضاً إما أن يكون البعض المستحق كثيراً وهو ما زاد على النصف أو قليلاً وهو النصف فدون فقال‏:‏

وَمَا لَهُ التقويم باستِحقاقِ *** أَنْفَسِهِ يَرَدُّ بالإطلاَقِ

‏(‏وما‏)‏ مبتدأ واقعة على الشيء ‏(‏له التقويم‏)‏ مبتدأ وخبر صلة ما ‏(‏باستحقاق أنفسه‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏يرد‏)‏ والجملة خبر و‏(‏بالإطلاق‏)‏ حال أي والشيء المبيع المقوم يرد باستحقاق أنفسه مطلقاً تراضياً على التمسك بالباقي بما ينوبه أم لا‏.‏ والتلف والتعييب وقت ضمان البائع والاستحقاق كما مر‏.‏

إنْ كانَ في مُعَيِّنٍ وَلا يَحِلْ *** إمساكُ باقيهِ لِمَا فيه جُهِلْ

‏(‏إن كان‏)‏ ذلك الاستحقاق ‏(‏في‏)‏ مقوم ‏(‏معين‏)‏ كعبدين استحق أفضلهما أو خمسة أثواب متساوية في القيمة استحق ثلاثة منها أو داران استحقت إحداهما وينوبها أكثر الثمن لكون قيمتها أكثر من قيمة الأخرى فيفسخ في الجميع ويرجع بجميع ثمنه ‏(‏ولا يحل‏)‏ للمشتري ‏(‏إمساك باقيه‏)‏ بعد الاستحقاق بما ينوبه من الثمن ولو وافقه البائع على ذلك ‏(‏لما فيه جهل‏)‏ أي لأجل الثمن الذي جهل فيه، وذلك لأنه لما استحق الأكثر انتقض البيع في الجميع لأن الأقل تابع للأكثر الذي هو وجه الصفقة فالتمسك بالأقل إنشاء عقد بثمن مجهول إذ لا يدري ما ينوبه من الثمن إل بعد التقويم ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره الخ‏.‏ وقال في المدونة‏:‏ فإن كان المستحق وجه الصفقة انتقض البيع، ولا يجوز أن يتمسك بما بقي بما ينوبه من الثمن وإن رضي البائع إذ لا يعرف ثمنه حتى يقوم وقد وجب الرد فصار بيعاً مؤتنفاً بثمن مجهول اه‏.‏ فمفهومها أنه إذا قوم وعلم ما ينوبه صحح التمسك به وهو كذلك كما مرَّ في صدر البيوع فراجعه هناك قال مصطفى‏:‏ قد أطبق من وقفت عليه من الشراح على تقييد حرمة التمسك بالأقل بعدم الفوات فانظره ثم أشار إلى مفهوم قوله أنفسه فقال‏:‏